Sunday, November 13, 2011

مـَـن الذي لا يحب أنيس ؟




ودعناك بالدموع يا أستاذنا العزيز أنيس منصور بعد أن ألجمت ألسنتنا صدمة فراقك وألهبت مشاعر الحزن والألم والشجن العميق فينا .. أسكنك الله فسيح جناته فقد قدمت لنا الكثير ..


ننعي إلى أنفسنا تلك الروح الوثابة المتعطشة للمعرفة من شتى أنحاء الدنيا والتي تحلو لها المداعبات الأدبية والمشاكسات البريئة التي تلقي حجراً في الماء الراكد لتنتج منه فورة ثقافية وأدبية .. فقد كان أنيس منصور يوحي للناس بعكس حقيقته .. فهو المشهور بأنه " عدو المرأة " على الرغم من أن تلك العداوة عكس ما يعتقد ويفعل .. فمن خلال تعاملي معه ككاتبة شابة كان يشجعني على إثبات الذات والتميز ولم أشعر يوماً واحداً بأنه يعتقد بوجود أي فرق في مجالات الحياة العملية بين الذكر والأنثى على الرغم من قفشاته عن المرأة التي وصفها هو نفسه بأنها أشبه بالكاريكاتير أو المداعبات من أديب كبير يقدّر المرأة ويحترمها كثيراً أكثر من بعض من يتشدقون بأنهم أنصار للمرأة بينما لا تجاوز هذه الكلمات حناجرهم ولا يعيرون للمرأة التفاتاً في الحقيقة ، أيضاً سمعته ذات يوم في أحد البرامج التليفزيونية يقول إنه " لا يتبنى أحداً " بمعنى أنه لا يقوم برعاية الكتاب الشبان .. ولكن هذا لم يكن حقيقياً فقد كنت من الكتاب الشبان الذين أسعدهم الحظ بالتعرف على أستاذنا الكبير وبرعايته الأدبية وتوجيهاته في الكتابة وتشجيعه لي على الإتقان ومحاولة الوصول لمكانة متميزة .. وكأنه كان يقول هذه الجملة وغيرها كقناع يبدو خشناً من الناحية الظاهرية من أجل أن يخفي قلباً طيباً كقلوب الأطفال لكي تأتيه المواهب الحقيقية ، أذكر أنني حين كتبت عملي الأدبي السابق المنشور حالياً في كتاب وهو مسرحية " ولكنه موتسارت " أرسلت مسودة العمل قبل نشره إلي مكتبه في الأهرام ولم يكن يعرفني على الإطلاق .. ففوجئت به بعد يومين يتصل بي ليقول رأيه في المسودة وقال إنه شعر أنني كاتبة جيدة ولكن هناك بعض التعديلات التي يحتاجها النص ، وبالفعل بدأت معه جلسات العمل التي كان يقتطع فيها من وقته الثمين ليوجه فتاة شابة لكي يخرج كتابها بصورة جيدة متميزة دون أن يكون هو مستفيداً أي شيء لأن الكتاب لي في النهاية ، أذكر أيضاً أنني في أول لقاء لي به بمكتبه بالأهرام كنت أشعر بكثير من الرهبة وبدا ذلك في ملامح وجهي فإذا به يشير إلى رسوم الدفتر الذي كان بيدي قائلاً في لهجة أبوية للغاية : " انت ِ اللي راسمه الرسومات دي ؟ " .. ثم ابتسم فأدركت أنه يحاول إزالة الرهبة من نفسي وبالفعل زالت تلك الرهبة وبدأنا جلسات العمل والتوجيه الأدبي .. لقد كان أباً بكل معنى الكلمة ، وكان له قلب طفل صغير فكانت أقل كلمة أو لفتة بسيطة تسعده بشدة ، فمن أكثر ما أدهشني هو امتنانه لي وسعادته حين شرفت بكتابة مقال " أنيس منصور .. لمسة ميداس وينابيع بيجاسوس " في الكتاب التذكاري الصادر عن دار الهلال في  2010  بالرغم من أنني من يجب أن تكون ممتنة ، بل إنه في إهدائه لي كتاب " من أوراق السادات " كتب لي : " إلى الزميلة الأديبة لمياء مختار " برغم الفارق الشاسع في المكانة والسن بينه وبيني ككاتبة شابة لا زالت في بداية الطريق ..

اتفق معه في آرائه أو اختلف كما شئت .. لكنك مهما اختلفت معه فأنت لا تستطيع أن تنكر كونه علماً كبيراً وقمة في مجاله لن تتكرر .. لا نتخيل الأهرام بدون عمودك " مواقف " يا أستاذي ولكن هذه هي إرادة الله وسنة الحياة ، عزاؤنا أن لدينا كنزاً من تراثك سيبقى يضيء للأجيال القادمة ويلون أيامهم بألوان الدهشة والبهجة والشجن وبأجنحة سندباد لا تهدأ حتى الارتواء من المعرفة .. إنه ذلك المزيج السحري النادر : روح وكتابات أنيس منصور التي ستبقى محفورة في قلوبنا فأنت لم ولن ترحل .. رحمك الله يا أستاذي العزيز وأسكنك فسيح جناته اللهم آمين يا رب العالمين
  

وشكراً للصديقة العزيزة تغريد الصبان على تحقيقها المتميز عن أستاذنا الكبير أنيس منصور بجريدة روز اليوسف الذي شرفت بالمشاركة فيه بكلمة متواضعة ، وهذا هو لينك التحقيق