Monday, July 16, 2012

مقال الناقد الأدبي الكبير د. جابر عصفور عن روايتي رتوش اللوحة

مقال الناقد الأدبي الكبير د. جابر عصفور عن روايتي رتوش اللوحة ، شكراً جزيلاً لناقدنا الكبير


أصدقائي الأعزاء ، هذا هو مقال الناقد الأدبي الكبير د. جابر عصفور عن روايتي " رتوش اللوحة " ، المقال نشر بجريدة الأهرام بتاريخ الاثنين 16 يوليو 2012 وهو بعنوان : لوحة جيل شاب

شكراً جزيلاً لناقدنا الأدبي الكبير

هذه هي لينكات المقال في عدة مواقع يا أصدقائي 



http://www.ahram.org.eg/The-Writers/News/160590.aspx


http://digital.ahram.org.eg/Policy.aspx?Serial=963653


http://www.misrelmahrosa.gov.eg/NewsD.aspx?id=15037




وهذه هي صورة المقال 








وهذا هو نص المقال كاملاً يا أصدقائي


لوحة جيل شاب 

بقلم د. جابر عصفور


رواية رتوش اللوحة هي الرواية الأولى للكاتبة الشابة لمياء مختار‏.‏ وقد صدرت الرواية عن دار العين التي أخذت تضيف بقوة إلى المشهد الروائي المعاصر‏،‏ خصوصا إبداع الأجيال الجديدة التي أخذت تصوغ ملامحها الإبداعية الخاصة التي تمايز رؤيتها أو- بمعني أدق- رؤاها المائزة عن العالم.
ورواية لمياء رواية تكوين شريحة من جيل ولد مع زمن السادات، وعاصر زمن مبارك إلى أن أسهم في الثورة عليه آملاً- ولايزال- في تغيير جذري للنظام الذي لم يرحل بعد. والعلامة الأولي على تشكل الوعي السياسي لهذا الجيل هي انتفاضة الخبز في يناير 1977 التي رأى أحد الأبطال الأساسيين للرواية بعض آثارها على زملائه من الطلاب القدامى حين كان في سنته الأولي في كلية الطب.
ولذلك يمكن تحديد الزمن الروائي في رتوش اللوحة بأنه يبدأ من بعد هزيمة 1967 وموت عبدالناصر وتولي السادات الحكم في مطلع السبعينيات إلى امتداد حكم مبارك لثلاثين عاما، انتهت بالثورة عليه. أعني الثورة التي نرى بداياتها في نهاية الرواية، حيث يبرز جيل أشب يساهم في أحداث الثورة، علي نحو ما فعل ابن البطل الأساسي نفسه الذي سبقت الإشارة إليه.
والبطولة في الرواية جماعية، إذ تتوزع أحداثها على عشر شخصيات تقريبا، تربط بين كل اثنين منهم علاقة ثنائية، هي ثنائية تواز أحيانا، وثنائية تضاد في أحيان أخرى. وتتوزع الثنائيات في تراتب طبقي، أعلاه الشريحة العليا من الطبقة المتوسطة، وأدناه الشريحة الأكثر فقرا التي تتجاور مع الشريحة الفقيرة من معذبي الأرض في المجتمع. وتمضي حياة الأبطال عبر زمن صاعد، ينقلهم من الطفولة إلى النضج، ومن أول التعليم إلى ما بعد التخرج، حيث تتباين المصائر نتيجة تفاعل كل شخصية مع واقعها الخاص والعام، خاضعة لكل المؤثرات التي تمايز ما بين الشخصيات من ناحية، وتسهم في تكوين اللوحة الروائية التي تتولى تصوير حياة الأبطال الأساسيين والفرعيين بكل رتوش اللوحة وتفاصيلها من ناحية موازية. وهي الدلالة التي ينبني عليها عنوان الرواية: رتوش اللوحة. أعني دلالة لا تبتعد كثيرا عن حيوات الأبطال الذين يبدون كما لو كانوا انعكاسات متغايرة الخواص للمؤلف المضمر الذي ليس متورطا بحكم النشأة في نشاط سياسي مباشر، فالأبطال كلهم عينات لشرائح اجتماعية، تتأثر بأحداث وطنها،  ويحركها شعورها الوطني لكن دون أن يكون واحد منها عضوا في حزب، أو جماعة،  فهم جميعا يحملون الهموم الوطنية نفسها، بحسب الوضع الطبقي (ومن ثم الوعي الطبقي) لكل شخصية من الشخصيات. ولذلك نراهم بعيدين عن النشاط السياسي الذي يتخذ شكل الانتماء إلى جماعة سرية أو علنية، أو حتي حزب. والمسارات المتوازية أو المتعارضة التي يمضون فيها، خلال الزمن الروائي، هي مسارات تحدد الملمح النوعي للرواية من حيث هي " رواية تكوين " نرى فيها تعاقب أشكال التفاعل الاجتماعي التي تجعل الأبطال على ما هم عليه. وانتماء أغلب الأبطال للطبقة الوسطى بشرائحها المختلفة يجعل منهم نماذج لأبناء هذه الطبقة التي هي العمود الفقري للمجتمع المصري. وهي الطبقة التي تنتج اليمين واليسار، في كل تنوعاتهما الفكرية، والتي هي منبع الفضائل والرذائل علي السواء. وهي الصفات التي قامت بتأصيلها روايات نجيب محفوظ على وجه التحديد، خصوصا في مرحلته الاجتماعية. وإذا كان محفوظ كتب عن القاهرة 30 ومضت الأجيال المعاصرة له أو اللاحقة له في الكتابة عن قاهرة الأربعينيات والخمسينيات والستينيات، فإن جيل لمياء مختار يكتب عن قاهرة الثمانينيات والتسعينيات إلى مطالع القرن الحالي الذي شهد نهاية زمن وبداية زمن لم تتشكل ملامحه بعد. ولذلك نرى في رواية لمياء شخصية علي الانتهازي الذي يغدو أستاذا في كلية الطب مجاملة لأبيه الأستاذ الكبير، ويتنقل ما بين ملامح الفساد، بعد أن فقد حلم البراءة الذي كانت تجسده مروة زميلته التي تنتسب إلى شريحة اجتماعية أدنى، ويظل علي البرجوازي على ما هو عليه من انتهازية إلى أن ينال عقابه القدري بمرض ابنه. وفي مقابل شخصية علي شخصية أخته نورا التي تفضي أزمة وفاة والدتها بها إلى الانغماس في التدين والإفراط فيه، لعلها تهرب من مأساتها، فينتهي بها الحال إلى الوقوع في شباك جماعات التطرف الديني، فتنفصل عن صديقتها أسماء التي تمثل التدين الوسطي والعقلانية المدنية، وذلك في ثنائية ضدية توازي الثنائية نفسها التي تصل بقدر ما تفصل بين علي ومجاهد، وتمضي الثنائية الضدية نفسها لتصل بقدر ما تباعد بين مروة وعلي، وبين أحمد وهديل، وذلك مقابل علاقة التوازي التي تصل بين مسار عبير ومجاهد. وظني أن غلبة الثنائيات الضدية على علاقات الشخصيات إنما هي علامة على زمنها الروائي وزمنها التاريخي في آن.
ويفرض نوع الرواية، من حيث هي رواية تكوين، حضورها على تقنية الحكي، فالراوي يبدأ من الزمن الحاضر، عائدا إلى نقطة البداية للتعاقب التاريخي لحيوات الشخصيات، وذلك على هيئة حركة بندولية جزئية للزمن، لا تتعارض مع المسار الكلي للاسترجاع، حتي لو أدت إلى ارتباك السرد في بعض المواضع. وهو أمر يشفع له قدرة التشويق في القص، ورسم ملامح الشخصيات، وإيقاع التوازن بينها، وذلك في نسيج لا يخلو من علاقات التناص والإشارات إلى الأعمال الإبداعية التي تسهم في تحديد التوازي بين الزمن الروائي والزمن التاريخي.
قد يجد القارئ الخبير بالفن الروائي بعض الاستطرادات هنا أو هناك، وبعض الإسراف في النزوع الأخلاقي، وشيئا من التورط في اتخاذ مواقف سياسية، أو تسطيحا لبعض المواقف، ولكن كل هذه الهنات هي ضريبة البداية التي قد تقترن ببعض الرعشة التي تصيب الأصابع التي تضع رتوش اللوحة. وهي رعشة يغفر لها النتيجة التي تدل عليها اللوحة نفسها بكل ما تنطوي عليه من وعد بما هو أكمل.